لكسب التعاطف معه من ناحية وإثارة المزيد من الانقسام بين مؤيديه ومعارضيه من ناحية أخرى.
ففي أولى جلسات محاكمته في 3 أغسطس ، بدا مبارك وكأنه تعمد الظهور على سرير العلاج لكسب تعاطف المصريين رغم أن الأطباء أكدوا حينها استقرار حالته الصحية بما يسمح بظهوره في قفص الاتهام وهو جالس على كرسي .
ولم يقف الأمر عند ما سبق ، فقد ظهر نجلاه جمال وعلاء أيضا في قفص الاتهام وهما يحملان المصاحف ، ما اعتبره البعض محاولة أخرى لاستدرار التعاطف الشعبي .
بل وفاجأ فريد الديب محامي مبارك أيضا الجميع بالطلب من القاضي استدعاء 1600 شاهد بينهم مسئولون عسكريون كبار ، وهو اعتبره البعض محاولة لإطالة أمد المحاكمة وتشتيتها أو التمهيد للاستئناف على أي حكم يصدر بالإدانة ضد مبارك .
فقد صرح طاهر أبو نصر أحد المحامين الموكلين عن ذوي ضحايا الثورة بأنه يتوقع أن تقلص المحكمة عدد الشهود الذين طلبهم الديب ، مما يوفر له أساسا للاستئناف على حكم قد يصدر بالإدانة ضد موكله .
وفي تصريحات أدلى بها لقناة "الجزيرة" ، قال طاهر أبو نصر :" إذا لم تستمع المحكمة إلى كافة الشهود، سيكون ذلك أساسا للاستئناف على الحكم ، سيكون هناك استئنافا وسيقبل النظر فيه" ، مشيرا أيضا إلى أن الادعاء رفع القضية على الأرجح قبل الاستماع لأقوال كان ينبغي الاستماع لها.
وبجانب ما سبق ، أبدى بعض المحامين عن الضحايا مخاوفهم من أن الأدلة المتوافرة ضد مبارك غير مكتملة ويلزم إعدادها بشكل أفضل بالنظر إلى القضايا المتعلقة بعشرات من مسئولي الشرطة المتهمين بجرائم خلال الثورة ، بل وأشار خبراء قانونيون أيضا إلى أن التحقيق في الجرائم المتهم مبارك بالمسئولية عنها كان ينبغي أن يستغرق عدة أشهر إضافية، غير أن الجيش والحكومة عجلا بالمحاكمة لتهدئة الثوار الغاضبين.
وقال أحمد مكي نائب رئيس محكمة استئناف القاهرة الذي تقاعد مؤخرا في هذا الصدد :" إنه تم رفع القضية تحت ضغط الشارع ، قد يكون الادعاء تأثر بالضغط ، غير أن المحكمة لن تصدر حكما ظالما".
بل وأبدى بعض الثوار أيضا تخوفهم من "حيل" فريق المحامين المخضرم الذي يدافع عن مبارك ، خاصة وأن محاميي ضحايا الثورة ظهروا في أولى جلسات محاكمة الرئيس المخلوع وكأنهم يفتقدون للتنسيق فيما بينهم .
وجاءت التصريحات التي أدلى بها يسري عبد الرازق رئيس هيئة المحامين المتطوعين للدفاع عن مبارك عشية انطلاق ثاني جلسات محاكمته هو ونجليه في 15 أغسطس لتضاعف القلق أكثر وأكثر .
فقد نقلت صحيفة "الأخبار" المصرية عن عبد الرازق القول في 14 أغسطس إن إجمالي عدد المتطوعين للدفاع عن مبارك بلغ 1700 محام.
ولم يكتف بما سبق ، بل إنه أكد أيضا أن هيئة الدفاع المتطوعة عن مبارك قررت اختيار إحدى القاعات المخصصة للمناسبات بمسجد الحامدية الشاذلية لعقد اجتماعات لمناقشة سير القضية.
وكشف عبد الرازق كذلك أن مؤيدي الرئيس السابق قرروا ارتداء خوذات أمان ومصدات "دروع" خلال حضور ثاني جلسات محاكمة مبارك في 15 أغسطس بدعوى حمايتهم من الحجارة التي يرشقهم بها معارضو مبارك.
حقائب رمضان
ورغم أن عدة جماعات مؤيدة لمبارك اتخذت لنفسها أسماء مختلفة مثل مجموعة "إحنا آسفين يا ريس" التي دشنت صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" ومجموعة "أبناء مبارك قادمون" نظمت في السابق عدة وقفات احتجاجية للمطالبة بتكريم الرئيس المخلوع بدلاً من محاكمته ، إلا أنه يتوقع أن تستفز الإجراءات الجديدة التي كشف عنها عبد الرازق أسر شهداء ومصابي الثورة أكثر وأكثر .
صحيح أن السلطات المصرية اتخذت إجراءات أمنية مشددة لتأمين ثاني جلسات محاكمة مبارك ونجليه في 15 أغسطس أمام محكمة جنايات القاهرة والتي تعقد بأكاديمية الشرطة ، إلا أن هناك من حذر من احتمال حدوث اشتباكات جديدة على غرار ماحدث في 3 أغسطس بسبب تعمد مؤيدي الرئيس المخلوع من أنصار الثورة المضادة رفع صوره وتوجيه الشتائم لأسر الشهداء ، بل ويبدو أن تعمدهم ارتداء خوذات أمان ومصدات "دروع" إنما يأتي أيضا في إطار خطة معدة سلفا لإثارة أعمال عنف .
وبالنسبة للإعلان عن توزيع "حقائب رمضان الخيرية" تحديدا في هذا التوقيت ، فقد اعتبرها البعض أحدث "حيل" محاولات اللعب على العواطف التي يمارسها مبارك وهو في قفص الاتهام بعد "تمثيلية" السرير ومحاولة مفضوحة لاستغلال معاناة الفقراء في تحسين صورته .
وبصفة عامة ، فإنه رغم الشعور بالارتياح بين أسر الشهداء وشباب الثورة المصرية إزاء المحاكمة العلنية للرئيس المخلوع ، إلا أنهم يبدون مخاوف من إطالة أمدها أو التلاعب بأدلة الإدانة أو مواصلة اللعب على العواطف أو تحويل القضية إلى مجرد جنحة.
ورغم أن المخاوف السابقة تبدو أمرا طبيعيا بالنظر إلى أن ما يحدث هو أمر غير مسبوق ، إلا أن هذا لا يعني السماح لأنصار الثورة المضادة باستغلال محاكمة مبارك لزيادة الانقسام والاستقطاب السياسي في المجتمع المصري ، ولذا لا بديل عن الالتفات للمستقبل أكثر وأكثر وترك القضاء يقول كلمته .
No comments:
Post a Comment